ص -480- سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه: ما تقول أئمة الإسلام في الحلاج؟
وفيمن قال: أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج: ماذا يجب عليه؟ ويقول: إنه قتل ظلمًا كما قتل بعض الأنبياء، ويقول: الحلاج من أولياء الله. فماذا يجب عليه بهذا الكلام، وهل قتل بسيف الشريعة؟
فأجاب:
الحمد للّه، من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله: أنا الله، وقوله: إله في السماء وإله في الأرض.
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق و{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: 93]، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} [النساء: 171] الآيات، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الآيتين [المائدة: 72]. فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم بالله
وفيمن قال: أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج: ماذا يجب عليه؟ ويقول: إنه قتل ظلمًا كما قتل بعض الأنبياء، ويقول: الحلاج من أولياء الله. فماذا يجب عليه بهذا الكلام، وهل قتل بسيف الشريعة؟
فأجاب:
الحمد للّه، من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله: أنا الله، وقوله: إله في السماء وإله في الأرض.
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق و{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: 93]، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} [النساء: 171] الآيات، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الآيتين [المائدة: 72]. فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم بالله
ص -481- ورسوله، كان
من أعظم دعواهم الحلول والاتحاد بالمسيح ابن مريم، فمن قال بالحلول والاتحاد في غير
المسيح كما تقوله الغالية في على، وكما تقوله الحلاجية في الحلاج، والحاكمية في
الحاكم، وأمثال هؤلاء فقولهم شر من قول النصارى؛ لأن المسيح ابن مريم أفضل من هؤلاء
كلهم. وهؤلاء من جنس أتباع الدجال، الذي يدعى الإلهية ليتبع، مع أن الدجال يقول
للسماء: أمطري فتمطر، وللأرض: أنبتي فتنبت، وللخربة: أخرجي كنوزك، فتخرج معه
كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلا مؤمنا ثم يأمر به فيقوم، ومع هذا فهو الأعور الكذاب
الدجال، فمن ادعى الإلهية بدون هذه الخوارق، كان دون هذا الدجال. والحلاج كانت له
مخاريق وأنواع من السحر، وله كتب منسوبة إليه في السحر. وبالجملة، فلا خلاف بين
الأمة أن من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلها، وهذا من
الآلهة، فهو كافر مباح الدم، وعلى هذا قتل الحلاج.
ومن قال: إن الله نطق على لسان الحلاج، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسانه: أنا الله، فهو كافر باتفاق المسلمين، فإن الله لا يَحِل في البشر، ولا تكلم على لسان بشر، ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم
ومن قال: إن الله نطق على لسان الحلاج، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسانه: أنا الله، فهو كافر باتفاق المسلمين، فإن الله لا يَحِل في البشر، ولا تكلم على لسان بشر، ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم
ص -482- بقوله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده".
فإن كل واحد من المرسل والرسول قد يقال: إنه يقول على لسان الآخر كما قال الإمام أحمد بن حنبل للمروذي: قل على لساني ما شئت، وكما يقال: هذا يقول على لسان السلطان كيت وكيت، فمثل هذا معناه مفهوم.
وأما أن الله هو المتكلم على لسان البشر كما يتكلم الجني على لسان المصروع، فهذا كفر صريح، وأما إذا ظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم، لكونه مصطلما في حال من أحوال الفنا والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وإن كان باطلا لكن القائل غير مؤاخذ.
ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال: إن محبوبًا ألقى نفسه في اليم فألقى المحب نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فلم وقعت خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني.
وقد ينتهي بعض الناس إلى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته.
فإذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل بحيث يرفع عنه القلم لم يكن معاقبا على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بأنه خطأ وضلال، وأنه حال ناقص لا يكون لأولياء الله.
فإن كل واحد من المرسل والرسول قد يقال: إنه يقول على لسان الآخر كما قال الإمام أحمد بن حنبل للمروذي: قل على لساني ما شئت، وكما يقال: هذا يقول على لسان السلطان كيت وكيت، فمثل هذا معناه مفهوم.
وأما أن الله هو المتكلم على لسان البشر كما يتكلم الجني على لسان المصروع، فهذا كفر صريح، وأما إذا ظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم، لكونه مصطلما في حال من أحوال الفنا والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وإن كان باطلا لكن القائل غير مؤاخذ.
ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال: إن محبوبًا ألقى نفسه في اليم فألقى المحب نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فلم وقعت خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني.
وقد ينتهي بعض الناس إلى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته.
فإذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل بحيث يرفع عنه القلم لم يكن معاقبا على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بأنه خطأ وضلال، وأنه حال ناقص لا يكون لأولياء الله.
ص -483- وما يحكى عن
الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الأرض: الله، الله، وإظهار
الفرح بالقتل أو نحو ذلك، فكله كذب. فقد جمع المسلمون أخبار الحلاج في مواضع
كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في أخبار الخلفاء وقد شهد مقتله وكما ذكر إسماعيل بن
على الخطبي في تاريخ بغداد وقد شهد قتله وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه،
وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي أبوبكر بن الطيب، وأبو محمد
بن حزم وغيرهم، وكما ذكر أبو يوسف القزويني وأبوالفرج بن الجوزي، فيما جمعا من
أخباره.
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق. وما نعلم أحدًا من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ.
وقول القائل: إنه قتل ظلمًا، قول باطل، فإن وجوب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه، صار زنديقًا، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق. وما نعلم أحدًا من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ.
وقول القائل: إنه قتل ظلمًا، قول باطل، فإن وجوب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه، صار زنديقًا، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل
ص -484- المدينة،
ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، ووجه في
مذهب الشافعي، والقول الآخر تقبل توبته.
وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال: قتل ظلمًا.
وأما قول القائل: إن الحلاج من أولياء الله، فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد، فإن ولي الله من مات على ولاية الله، يحبه ويرضي عنه، والشهادة بهذا لغير من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، لا تجوز عند كثير من العلماء أو أكثرهم.
وذهبت طائفة من السلف كابن الحنفية، وعلى بن المديني : إلى أنه لا يشهد بذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه بجنازة فأثنوا خيرًا، فقال: "وجبت وجبت"، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا فقال: "وجبت وجبت". قال: "هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض".
فإذا جوز أن يشهد لبعض الناس أنه ولي الله في الباطن، إما بنص وإما بشهادة الأمة فالحلاج ليس من هؤلاء، فجمهور الأمة يطعن عليه ويجعله من
وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال: قتل ظلمًا.
وأما قول القائل: إن الحلاج من أولياء الله، فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد، فإن ولي الله من مات على ولاية الله، يحبه ويرضي عنه، والشهادة بهذا لغير من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، لا تجوز عند كثير من العلماء أو أكثرهم.
وذهبت طائفة من السلف كابن الحنفية، وعلى بن المديني : إلى أنه لا يشهد بذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه بجنازة فأثنوا خيرًا، فقال: "وجبت وجبت"، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا فقال: "وجبت وجبت". قال: "هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض".
فإذا جوز أن يشهد لبعض الناس أنه ولي الله في الباطن، إما بنص وإما بشهادة الأمة فالحلاج ليس من هؤلاء، فجمهور الأمة يطعن عليه ويجعله من
ص -485- أهل الإلحاد
إن قدر على أنه يطلع على بعض الناس أنه ولي الله، ونحو ذلك مما يختص به بعض أهل
الصلاح.
فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه:
أحدها: أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلمًا وكان وليا لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء أنهم قتلوا ظلمًا، وأنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء.
وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان، وعلى، والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء أئمة الدين، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. فإن الأئمة متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على دم الحلاج وأمثاله.
الوجه الثاني: أن الاطلاع على أولياء الله لا يكون إلا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الإيمان والتقوى.
ومن أعظم الإيمان والتقوى أن يجتنب مقالة أهل الإلحاد كأهل الحلول والاتحاد فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة، لم يكن عارفًا بالإيمان
فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه:
أحدها: أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلمًا وكان وليا لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء أنهم قتلوا ظلمًا، وأنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء.
وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان، وعلى، والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء أئمة الدين، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. فإن الأئمة متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على دم الحلاج وأمثاله.
الوجه الثاني: أن الاطلاع على أولياء الله لا يكون إلا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الإيمان والتقوى.
ومن أعظم الإيمان والتقوى أن يجتنب مقالة أهل الإلحاد كأهل الحلول والاتحاد فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة، لم يكن عارفًا بالإيمان
ص -486- والتقوى، فلا يكون عارفًا بطريق أولياء الله، فلا يجوز أن يميز بين
أولياء الله وغيرهم.
الثالث: أن هذا القائل قد أخبر أنه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهود والنصارى والرافضة لأنفسهم على أنهم على الحق، وشهادة المرء لنفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف يكون لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم أهل ضلال؟
الرابع: أن يقال: أما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله أو لم يتب، فهذا غيب يعلمه الله منه، وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان.
وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة، قد تكون عذرًا في الظاهر.
فهذا لو فرض، لم يجز أن يقال: قتل ظلما، ولا يقال: إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أن يدعى فيه الاصطلام والشبهة. وأما أن يوافقه على ما قتل عليه فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك من لم يجوز قتل مثله فهو مارق من دين الإسلام.
الثالث: أن هذا القائل قد أخبر أنه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهود والنصارى والرافضة لأنفسهم على أنهم على الحق، وشهادة المرء لنفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف يكون لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم أهل ضلال؟
الرابع: أن يقال: أما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله أو لم يتب، فهذا غيب يعلمه الله منه، وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان.
وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة، قد تكون عذرًا في الظاهر.
فهذا لو فرض، لم يجز أن يقال: قتل ظلما، ولا يقال: إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أن يدعى فيه الاصطلام والشبهة. وأما أن يوافقه على ما قتل عليه فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك من لم يجوز قتل مثله فهو مارق من دين الإسلام.
ص -487- ونحن إنما علىنا أن نعرف التوحيد الذي أمرنا به، ونعرف طريق الله الذي
أمرنا به، وقد علمنا بكليهما أن ما قاله الحلاج باطل، وأنه يجب قتل مثله، وأما نفس
الشخص المعين، هل كان في الباطن له أمر يغفر الله له به من توبة أو غيرها؟ فهذا
أمر إلى الله، ولا حاجة لأحد إلى العلم بحقيقة ذلك، والله أعلم.